خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 23 من المحرم 1447 هـ - الموافق 18 /7 / 2025م
السَّفَرُ أَحْكَامٌ وَآدَابٌ
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإكْرَامِ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الذَّاكِرِيْنَ الشَّاكِرِيْنَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ الْخَاشِعِينَ الْمُخْبِتِيْنَ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، الْمُتَفَرِّدُّ بِالْجَلَالِ وَالْكَمَالِ، شَرَعَ لِعِبَادِهِ الْأَحْكَامَ، وَرَفَعَ عَنْهُمُ الْحَرَجَ وَالْآثَامَ؛ ) وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ( [الحج:78]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلَى مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( [الأنبياء:107]، مَا مِنْ خَيْرٍ إِلَّا وَدَلَّنَا عَلَيْهِ، وَمَا مِنْ شَرٍّ إِلَّا وَحَذَّرَنَا مِنْهُ، فَتَرَكَنَا عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيْغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، فَاللَّهُمَّ صِلِّ وَسُلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِيْنَ الطَّاهِرِيْنَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ؛ ) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ( [البقرة:281].
أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:
إِنَّ الْعَبْدَ يَتَوَصَّلُ بِالتَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ إِلَى دَلَائِلِ عَظَمَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ، وَتُفَرُّدِهِ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ، وَقَدْ دَعَا اللهُ عِبَادَهَ إِلَى التَّفَكُّرِ وَالْاِعْتِبَارِ فَقَالَ جَلَّ وَعَلَّا: )وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ([الذاريات:51] يَسْتَدِلُّ الْمُتَفَكِّرُ فِيهَا عَلَى عَظَمَةِ خَالِقِهَا وَسَعَةِ سُلْطَانِهِ وَ عَمِيمِ إِنْعَامِهِ، وَدَعَاهُمْ لِلسَّيْرِ فِي أَرْضِهِ لِيَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: )أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ( [الحج:46] فَيَسِيرُوا بِأبْدَانِهِمْ، وَتَعْقِلَ قُلُوبُهُمْ تِلْكَ الْآيَاتِ وَمَوَاقِعَ الْعِبَرِ، وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ أَخْبَارَ الْأُمَمِ وَأَنْبَاءَ الْقُرُونِ فَيَعْتَبِرُوا وَيَتَّعِظُوا، فِي السَّفَرِ وَالتَّنَقُّلِ فِي هَذِهِ الْأرْضِ بَهِجَةٌ لِلْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ؛ لِمَا أَوْدَعَ اللهُ فِيهَا مِنْ جَمَالِ الْخَلْقِ وَتَنَوُّعٍ فِي مَخْلُوقَاتِ اللهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظْمَتِهِ جَلَّ وَعَلَا وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَفِي السَّفَرِ فَوَائِدُ مُتَنَوِّعَةٌ وَمَقَاصِدُ عَدِيدَةٌ:
تَغَرَّبْ عَنِ الأْوَطَانِ فِي طَلَبِ العُلَا وَسَافِرْ فَفِي الْأسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ
تَفْرُّجُ هَـــمٍّ وَاكْــــتِسَابُ مَعِيشْـــــةٍ وَعِلْمٌ وَآدَابٌ وَصُحْبَةُ مَاجِــــــــدِ
عِبَادَ اللهِ:
فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ يَسْتَعِدُّ النَّاسُ لِمَوْسِمِ السَّفَرِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُسَافِرُ لِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَزِيَارَةِ الْأَقَارِبِ، وَمَنْ يُسَافِرُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَالدِّرَاسَةِ، وَمَنْ يُسَافِرُ لِلتَّنَزُّهِ وَالسِّيَاحَةِ وَالتَّرْوِيحِ عَنِ النَّفْسِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالْأسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ، فَالسَّفَرُ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ شَرَعِيٌ كَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَاجِبَةٍ فَإِنَّ السَّفَرَ يَكُونُ وَاجِبًا، وَقَدْ يَكُوْنُ السَّفَرُ مَسْنُونًا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ إِذَا كَانَ لِعَمَلٍ مَسْنُونٍ كَطَلَبِ عِلْمٍ وَزِيَارَةِ مَنْ يُحِبُّهُمْ فِي اللهِ مِنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ السَّفَرُ لِأَمْرٍ مُبَاحٍ كَتِجَارَةٍ وَسِيَاحَةٍ خَالِيَةٍ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ فَإِنَّ السَّفَرَ يَكُونُ مُبَاحًا، وَإِذَا قَصَدَ الْمُسَافِرُ بِسَفَرِهِ فِعْلَ الْمُحَرَّمِ وَالْوُقُوعَ فِي الْمُنْكِرِ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَيَكُونُ سَفَرُهُ مُحَرَّمًا يَأْثَمُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي سَفَرِهِ الْمُحَرَّمِ التَّرَخَّصُ بِرُخَصِ السَّفَرِ.
فَالْمُسَافِرُ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مَشْرُوعًا وَمَقْصِدُهُ مُبَاحًا فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ الَّتِي كَانَ يَعْمَلُهَا وَهُوَ مُقِيمٌ فِي بَلَدِهِ؛ فَعنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
يَنْبَغِي عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يُرَاعِيَ أَحْكَامَ السَّفَرِ وَآدَابَهُ؛ فَمَنْ وُفِّقَ لِامْتِثَالِ أَوَامِرِ اللهِ وَالْبُعْدِ عَمَّا نَهَى اللهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ الْمُوَفَّقُ الْمُسَدَّدُ، وَيَنَالُ بِامْتِثَالِهِ الْبَرَكَةَ وَالْأَجْرَ مِنَ اللَّطِيفِ الْمَنَّانِ.
وَالْمُسَافِرُ يُحَافِظُ فِي سَفَرِهِ عَلَى مَا افْتَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ فَيُرَاعِي أَوْقَاتَهَا وَ يَحْرِصُ عَلَى إتْمَامِهَا وَلَا يُفَرِّطُ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا وَفَرَائِضِهَا، وَلِلْمُسَافِرِ أَْنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخَصِ السَّفَرِ مِنْ قَصْرِ الصَّلَوَاتِ الرُّبَاعِيَّةِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ( [النساء:101] وَلَهُ الِاخْتِيَارُ بَيْنَ جَمْعِ التَّقْديمِ أَوِ التَّأْخِيرِ بِحََسَبِ الْأَرْفَقِ وَالْأَنْسَبِ لَهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ، صَلَّى الظُهْرَ ثُمَّ رَكِبَ) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَمِنَ الْأَحْكَامِ الْمَرْعِيَّةِ فِي السَّفَرِ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ بِدُونِ مَحْرَمٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَحْظُورِ وَالْفِتْنَةِ لَهَا؛ وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَدِلَّةُ صَرِيحَةً فِي النَّهْيِ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ بِلَا مَحْرَمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
عِبَادَ اللهِ:
يَنْبَغِي عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَكُونَ سَفِيرًا فِي دِينِهِ وَأَخْلَاَقِهِ سَفِيرًا لِبَلَدِهِ وَوَطَنِهِ، فَيَتَحَلَّى بِكَرِيمِ الْأَخْلَاَقِ وَجَمِيلِ الطِّبَاعِ، يَبْتَعِدُ عَنْ أَمَاكِنِ الشُّبُهَاتِ وَالْفِتَنِ، فَلَا يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلشَّهَوَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ ؛ فَيَتَأَثَّرُ قَلْبُهُ بِالْفِتَنِ وَالْمَعَاصِي، وَيَضْعُفُ بِذَلِكَ إيمَانُهُ وَتَسُوءُ بِتِلْكَ الشَّهَوَاتِ أَخْلَاقُهُ، وَهَذِهِ الْفِتَنُ وَالذُّنُوبُ مِنْ أَعْظُمِ أسْبَابِ قَسْوَةِ الْقَلْبِ وَوَحْشَتِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ رَبِّهِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (مَنْ قَارَبَ الْفِتْنَةَ بَعُدَتْ عَنْهُ السَّلَاَمَةُ، وَمَنِ ادَّعَى الصَّبْرَ وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ، وَرُبَّ نَظَرَةٍ لَمْ تُنَاظِرْ، وَأَحَقُّ الْأَشْيَاءِ بِالضَّبْطِ وَالْقَهْرِ اللِّسَانُ وَالْعَيْنُ).
فَعَلَيْكَ يَا عَبْدَ اللهِ بِمُرَاقَبَةِ اللهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكَ، فِي حِلِّكَ وَتِرْحَالِكَ، فَالْبُعْدُ عَنِ الْفِتَنِ وَالْمَعَاصِي سَلَامَةٌ لِقَلْبِكَ وَصَفَاءٌ لِنَفْسِكَ وَمَرْضَاةٌ لِرَبِكَ، فَحَافِظْ عَلَى نَفْسِكَ مِنْهَا وَحَافِظْ عَلَى مَنِ اسْتَرْعَاكَ اللهُ حِفْظَهُمْ وَرِعَايَتَهُمْ مِنَ الزَّوْجَاتِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ؛ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيمَا لِشَأَنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ فَصَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى وَرَاقِبُوهُ فِي الْجَهْرِ وَفِي النَّجْوَى؛ )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( [الحشر:18].
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
إِنَّ لِلسَّفَرِ آدَابًا وَسُنَنًا يَجْتَهِدُ فِي الْعَمَلِ بِهَا الْمُوَفَّقُونَ مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، لِيَنَالُوا بِاجْتِهَادِهِمْ مَحَبَّةَ اللهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ أسْبَابِ مَحَبَّتِهِ اتِّبَاعَ هَدْيِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الإِمَامُ النَوَوي-رَحِمَهُ اللهُ-: (يَنْبَغِي لِمَنْ بَلَغَهُ شَيْءٌ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَ لَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً لِيَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ مُطْلَقًا بَلْ يَأْتِي بِمَا تَيَسَّرَ مِنْهُ).
فَمِنْ هَذِهِ الْآدَابِ، اسْتِحْبَابُ تَوْدِيعِ الْأهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَالْإِخْوَانِ ؛ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ- رَحِمَهُ اللهُ-:( إِذَا خَرَجَ أحَدُكُمْ فِي سَفَرٍ، فَلَيُوَدِّعْ إِخْوَانَهُ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ فِي دُعَائِهِمْ بَرَكَةً)؛ فَعَنْ قَزَعَةَ قَالَ: قَالَ لِيْ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هَلُمَّ أُوَدِّعْكَ كَمَا وَدَّعَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ، وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيْمَ عَمَلِكَ) [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدٍ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَأَنْ يَحْرِصَ الْمُسَافِرُ عَلَى مُصَاحَبَةِ رُفْقَةٍ صَالِحَةٍ فِي سَفَرِهِ؛ فَيَتَعَاوَنُوا عَلَى الْخَيْرِ وَيَتَوَاصَوْا بِالْبِرِّ وَيُلَازِمُ الْمُسَافِرُ فِي سَفَرِهِ الْأدْعِيَةَ وَالأَوْرَادَ وَيَحْرِصُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي السَّفَرِ مِنْ أَذْكَارٍ؛ كَدُعَاءِ السَّفَرِ، وَدُعَاءِ النُّزُولِ، وَالتَّكْبِيرِ فِي الْمُرْتَفَعَاتِ وَالتَّسْبِيحِ فِي الْمُنْحَدَرَاتِ وَالْأوَدِيَةِ، وَدُعَاءِ دُخُولِ الْقَرْيَةِ وَالْبَلْدَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأدْعِيَةِ وَالأَذْكَارِ الْمُبَارَكَةَ.
عِبَادَ اللهِ:
السَّفَرُ مَظِنَّةٌ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ فَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ مُسْتَجَابَةٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ إِذَا نَالَ مُرَادَهُ مِنْ سَفَرِهِ أَنْ يُعَجِّلَ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ، فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، وَمِنَ السُّنَنِ الْمَهْجُورَةِ ؛ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْقُدُومِ إِلَى الْبَلَدِ؛ عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ضُحًى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَلْهِمْنَا شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَدَوَامَ عَافِيَتِكَ، وَجَنِّبْنَا فُجَاءَةَ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعَ سَخَطِكَ، وَبَارِكِ اللَّهُمَّ لَنَا فِي أَوْقَاتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَأَوْلَادِنَا وَأَزْوَاجِنَا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة